الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ} يعني أن الأصنام لا ينصرون من عبدهم، ولا ينصرون أنفسهم فهم في غاية العجز والذلة، فكيف يكونون آلهة.{وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الهدى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ} يعني: أن الأصنام لا تجيب إذا دعيت إلى أن تهدى أو إلى أن تهدي، لأنها جمادات {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامتون} تأكيد وبيان لما قبلها، فإن قيل: لم قال: أم أنتم صامتون فوضع الجملة الاسمية موضع الجملة الفعلية وهلا قال أو صمتم؟ فالجواب إن صمتم عن دعاء الإصنام كانت حالة مستمرة، فعبر هنا بجملة إسمية لتقتضي الاستمرار على ذلك {إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} رد على المشركين بأن آلهتهم عباد؛ فكيف يعبد العبد مع ربه {فادعوهم فَلْيَسْتَجِيبُواْ} أمر على جهة التعجيز {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ الدين مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ الله} [الشورى: 21] وما بعده: معناه أن الأصنام جمادات عادمة للحس والجوارح والحياة والقدرة، ومن كان كذلك: لا يكون إلهًا، فإن من وصف الإله الإدراك والحياة والقدرة؛ وإنما جاء هذا البرهان بلفظ الاستفهام، لأن المشركين مقرون أن أصنامهم لا تمشي ولا تبطش، ولا تبصر، ولا تسمع،. فلزمته الحجة، والهمزة في قوله: {ألهم} للاستفهام مع التوبيخ، وأم في المواضع الثلاثة تضمنت معنى الهمزة، ومعنى بل وليست عاطفة {قُلِ ادعوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ} المعنى: استنجدوا أصنامكم لمضرتي والكيد عليّ، ولا تؤخروني، فإنكم وأصنامكم لا تقدرون على مضرتي، ومقصد الآية الرد عليهم ببيان عجز أصنامهم وعدم قدرتها على المضرة، وفيها إشارة إلى التوكل على الله والاعتصام به وحده، وأن غيره لا يقدر على شيء ثم أفصح بذلك في قوله: {إِنَّ وَلِيِّيَ الله} الآية: أي هو حافظي وناصري منكم فلا تضرونني، ولو حرصتم أنتم وآلهتكم على مضرتي، ثم وصف الله بأنه الذي نزل الكتاب، وبأنه الله تولى حفظه، ومن تولى حفظه فهو من الصالحين، والصالح لابد أن يكون صادقًا في قوله ولاسيما فيما يقوله عن الله.{والذين تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ} الآية: ردّ على المشركين، وقد تقدّم معناه {وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الهدى لاَ يَسْمَعُواْ} يحتمل أن يريد الأصنام فيكون تحقيرًا لهم، وردًا على من عبدها، فإنها جمادات لا تسمع شيئًا، فيكون المعنى كالذي تقدّم، أو يريد أن الكفار، ووصفهم بأنهم لا يسمعون يعني سماعًا ينفعون به، لإفراط نفورهم، أو لأن الله طبع على قلوبهم {وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} إن كان هذا من وصف الأصنام، فقوله: {ينظرون} مجاز، وقوله: {لا يبصرون} حقيقة، لأن لهم صورة الأعين وهم لا يرون بها شيئًا، وإن كان من وصف الكفار فينظرون حقيقة ولا يبصرون مجازًا على وجه المبالغة كما وصفهم بأنهم لا يسمعون.{خُذِ العفو} فيه قولان: أحدهما: أن المعنى خذ من الناس في أخلاقهم وأقوالهم ومعاشرتهم ما تيسر لا ما يشق عليهم، لئلا ينفروا فالعفو على هذا بمعنى السهل والصفح عنهم، وهو ضد الجهل والتكليف كقول الشاعر:
والآخر أن المعنى من الصدقات ما سهل على الناس في أموالهم أو ما فضل لهم، وذلك قبل فرض الزكاة، فالعفو على هذا بمعنى السهل أو بمعنى الكثرة {وَأْمُرْ بالعرف} أي المعروف وهو فعل الخير، وقيل العفو الجاري بين الناس من العوائد، واحتج المالكية بذلك على الحكم بالعوائد {وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين} أي لا تكافئ السفهاء بمثل قولهم أو فعلهم واحلم عنهم، ولما نزلت هذه الآية سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عنها، فقال: لا أدري حتى أسأل؛ ثم رجع فقال يا محمد إن ربك يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك وعن جعفر الصادق: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم فيها بمكارم الأخلاق، وهي على هذا ثابتة الحكم وهو الصحيح، وقيل كانت مداراة للكفار، ثم نسخت بالقتال.{وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ} نزغ الشيطان وسوسته بالتشكيك في الحق والأمر بالمعاصي أو تحريك لغضب، فأمر الله بالاستعاذة منه عند ذلك، كما ورد في الحديث: «أن رجلًا اشتد غضبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما به: نعوذ بالله من الشيطان الرجيم» {طائف مِّنَ الشيطان} معناه لمه منه، كما جاء: «إن للشيطان لمة وللملك لمة»، ومن قرأ طائف بالألف، فهو اسم فاعل ومن قرأ طيف بياء ساكنة، فهو مصدر أو تخفيف من طيف المشدّد، كمّيت وميت {تَذَكَّرُواْ} حذف مفعوله ليعم كل ما يذكر من خوف عقاب الله، أو رجاء ثوابه أو مراقبته والحياء منه، أو عداوة الشيطان والاستعاذة منه والنظر والاعتبار وغير ذلك {فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} هو من بصيرة القلب.{وإخوانهم يَمُدُّونَهُمْ فِي الغي} الضمير في إخوانهم للشياطين، وأريد بقوله: {طائف من الشيطان}: الجنس، ولذلك أعيد عليه ضمير الجماعة وإخوانهم هم الكفار، ومعنى يمدّونهم: يكونون مددًا لهم: يعضدونهم، وضمير المفعول في يمدّونهم للكفار، وضمير الفاعل للشيطان، ويحتمل أن يريد بالإخوان: الشياطين، ويكون الضمير في إخوانهم للكفار، والمعنى على الوجهين: أن الكفار يمدهم الشيطان وقرئ {يمدّونهم} بضم الياء وفتحها، والمعنى واحد، و{في الغيّ} يتعلق {بيمدّونهم}، وقيل: يتعلق بإخوانهم كما تقول إخوة في الله، أو في الشيطان {ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ} أي لا يقصر الشياطين عن إمداد إخوانهم الكفار، أو لا يقصر الكفار عن غيهم، وفي الآية من إدراك البيان لزوم ما لا يلزم بالتزام الصاد قبل الراء في مبصرون ولا يقصرون {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجتبيتها} الضمير في لم تأتهم للكفار، ولولا هنا عوض، وفي معنى اجتبيتها قولان: أحدهما: اخترعتها من قبل نفسك، فالآية على هذا من القرآن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتأخر عنه بالوحي أحيانًا، فيقول الكفار: هلا جئت بقرآن من قولك، والآخر معناه: طلبتها من الله، وتخيرتها عليه، فالآية على هذا معجزة، أي يقولون: اطلب المعجزة من الله: {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي} [الجن: 20] معناه: لا أخترع القرآن على القول الأول، ولا أطلب آية من الله على القول الثاني {هذا بَصَائِرُ} أي علامات هدى والإشارة إلى القرآن.{وَإِذَا قرئ القرآن فاستمعوا لَهُ وَأَنصِتُواْ} فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أن الإنصات المأمور به هو لقراءة الإمام في الصلاة، والثاني: أنه الإنصات للخطبة، والثالث: أنه الإنصات لقراءة القرآن على الإطلاق وهو الراجح لوجهين: أحدهما: أن اللفظ عام ولا دليل على تخصيصه، والثاني أن الآية مكية، والخطبة إنما شرعت بالمدينة {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}: قال بعضهم: الرحمة أقرب شيء إلي مستمع القرآن لهذه الآية: {واذكر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ} يحتمل أن يريد الذكر بالقلب دون اللسان، أو الذكر باللسان سرًا، فعلى الأول يكون قوله: {ودون الجهر من القول}؛ عطف متغاير أي حالة أخرى، وعلى الثاني يكون بيانًا وتفسيرًا للأول {بالغدو والآصال} أي في الصباح والعشي والآصال جمع أُصُل والأُصل جمع أصيل؛ قيل: المراد صلاة الصبح والعصر، وقيل: فرض الخمس والأظهر الإطلاق {إِنَّ الذين عِندَ رَبِّكَ} هم الملائكة عليهم السلام، وفي ذكرهم تحريض للمؤمنين وتعريض للكفار {وَلَهُ يَسْجُدُونَ} قدم المجرور لمعنى الحصر أي لا يسجدون إلا لله، والله أعلم. اهـ. .قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} إلى قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)}.التفسير: لما ذكر فساد طريقة عبدة الأصنام وبين النهج القويم والصراط المستقيم أرشد إلى مكارم الأخلاق والعفو الفضل وكل ما أتى من غير كلفة. واعلم أن الحقوق التي تستوفى من الناس إما أن يجوز إدخال المساهلة فيها وهو المراد بقوله: {خذ العفو} ويدخل في التخلق مع الناس بالخلق الحسن وترك الغلظة والفظاظة، ومن هذا الباب أن يدعو الخلق إلى الدين الحق بالرفق واللطف كما قال في حق نبيه صلى الله عليه وسلم {فبما رحمة من الله لنت لهم} [آل عمران: 159] وإما أن لا يجوز دخول المسامحة فيها وذلك قوله: {وأمر بالعرف} وهو والمعروف. والعارفة كل أمر عرف أنه لابد من الإتيان به ويكون وجوده خيرًا من عدمه، فلو اقتصر في هذا القسم على الأخذ بالعفو ولم يبذل في ذلك وسعه كان راضيًا بتغيير الدين وإبطال الحق. ثم أمر بالمعروف ورغب فيه ونهى عن المنكر ونفر عنه فربما أقدم بعض الجاهلين على السفاهة والإيذاء فلهذا قال: {وأعرض عن الجاهلين} قال عكرمة: لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا جبرائيل ما هذا؟ فقال: لا أدري حتى أسأل ثم رجع فقال: يا محمد إن ربك أمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك» قال أهل العلم: تفسير جبرائيل مطابق للفظ الآية فإنك إذا وصلت من قطعك فقد عفوت عنه، وإذا أعطيت من حرمك فقد أمرت بالمعروف، وإذا عفوت عمن ظلمك فقد أعرضت عن الجاهل. يروى عن جعفر الصادق رضي الله عنه: ليس في القرآن العزيز آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية ولبعض المفسرين في تفسير الآية طريق آخر قالوا: {خذ العفو} أي ما أتوك به عفوًا فخذه ولا تسأل ما وراء ذلك فنسخت بآية الزكاة {وأمر بالعرف} أي بإظهار الدين الحق وهذا غير منسوخ {وأعرض عن الجاهلين} أي المشركين وهذا منسوخة بآية القتال. والحق أن تخصيص أخذ العفو بالمال تقييمًا للمطلق من غير دليل، ولو سلم فإيجاب الزكاة بالمقادير المخصوصة لا ينافي ذلك لأن آخذ الزكاة مأمور بأن لا يأخذ كرائم أموال الناس وأن لا يشدد الآمر على المزكي.وأيضًا لا يمتنع أن يؤمر النبي بأن لا يقابل سفاهة المشركين بمثلها ولكن يقاتلهم، وإذا كان الجمع بين الأمرين ممكنًا فلا حاجة إلى التزام النسخ. قال أبو زيد: لما نزل قوله: {وأعرض عن الجاهلين} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف يا رب والغضب؟ فنزل {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ} أي غرز ونخس جعل النزغ نازغًا كما قيل: جدّ جدّه. عن أبي زيد: نزغت ما بين القوم أي أفسدت ما بينهم وأصله الإزعاج بالحركة إلى الشر، وأكثر ما يكون ذلك عند الغضب. ونزغ الشيطان وسوسته في القلب بما يسوّل للإنسان من المعاصي وعلاجه ودفعه إنما يكون بالاستعاذة وهي الاستخلاص عن حول الإنسان وقوته إلى حول الرحمن وقوته والإعراض عن مقتضى الطبع والإقبال على أوامر الشرع عن معاذ بن جبل قال: استبَّ رجلان عند النبي حتى عرف الغضب في وجه أحدهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب غضبه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» قال بعض الطاعنين في عصمة الأنبياء: لو لم يجز على النبي الإقبال على وسوسة الشيطان لم يأمر بالاستعاذة. والجواب أن كلمة إن لا تفيد وقوع الشرط، ولو سلم فمن أين علم أنه صلى الله عليه وسلم قبل تلك الوسوسة منه؟ ولو سلم فمحمول على ترك الأولى. ثم ختم الآية بقوله: {إنه سميع عليم} ليعرف أن القول اللساني بدون المعارف الحقيقية عديم الفائدة وكأنه تعالى قال: اذكر لفظ الاستعاذة بلسانك فإني سميع. وأحضر معنى الاستعاذة في ضميرك فإني عليم. ثم بين أن حال المتقين قد تزيد على حال النبي في باب وسوسة إبليس فإن النبي لا يكون له إلا النزع الذي هو كابتداء الوسوسة، وأما المتقون فقد يمسهم الشيطان وذلك قوله: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف} قال الفراء: الطائف كالخاطر وجوز بعضهم أن يكون مصدرًا كالعاقبة ولكنه بلا تاء. والأصح أنه اسم فاعل من طاف يطوف أو من طاف به الخيال يطيف طيفًا. ومن قرأ طيف فهو إما مصدر أي لمسة من الشيطان، وإما مخفف طيف فيعل من طاف يطيف كلين، أو من طاف يطوف كهين. قال في الكشاف: وهذا تأكيد وتقرير لما تقدم من وجوب الاستعاذة بالله عند نزغ الشيطان وأن المتقين هذه عادتهم إذا أصابهم نزغ من الشيطان وإلمام بوسوسته. ومفعول {تذكروا} محذوف أي تذكروا ما أمر الله به ونهى عنه فأبصروا السداد. واعلم أن الغضب إنما يهيج بالإنسان إذا استقبح من المغضوب عليه عملًا من الأعمال ثم اعتقد في نفسه كونه قادرًا وفي المغضوب عليه كونه عاجزًا هذا إذا كان واقفًا على ظلمات عالم الأجسام فيغتر بظواهر الأمور، أما إذا انكشف له نور من عالم العقل عرف أن المغضوب عليه إنما أقدم على ذلك العمل لأن الله تعالى خلق فيه داعية جازمة وقد علم منه تلك الحالة في الأزل، ومتى كان كذلك فلا سبيل إلى تركها فحينئذ يفتر غضبه كما قال صلى الله عليه وسلم: «من عرف سر الله في القدر هانت عليه المصائب» وأيضًا إنه كم أساء في العمل وقد تجاوز عنه وإن الله أقدر عليه وإنه إذا أمضى الغضب كان شريكًا للسباع المؤذية، وإذا اختار العفو كان مضاهيًا للأنبياء والأولياء مستأهلًا للثواب الجزيل، وإنه ربما انقلب الضعيف قويًا. وبالجملة فالمراد من قوله تعالى: {إذا مسهم طائف من الشيطان} ما ذكرنا من الاعتقادات، والمراد من قوله: {تذكروا} الأمور تفيد ضعف تلك الاعتقادات، أما قوله: {وإخوانهم} فالضمير فيه يرجع إلى الشيطان، وجمع لأن المراد به الجنس كقوله: {أولياؤهم الطاغوت} [البقرة: 257] والضمير المرفوع في {يمدون} يرجع إلى الأخوان لأن شياطين الإنس يعضدون شياطين الجن على الإغواء والإضلال، أو إلى الشياطين فيكون الخبر جاريًا على غير من هو له. والمعنى وإخوان الشياطين ليسوا بمتقين فإن الشياطين يمدونهم أي يكونون مددًا لهم في الغي. وجوّز أن يراد بالإخوان الشياطين والضمير المجرور يعود إلى الجاهلين فيكون الخبر جاريًا على ما هو له. قال في الكشاف: والأوّل أوجه لأن {إخوانهم} في مقابلة {الذين اتقوا} قال الواحدي: عامة ما جاء في التنزيل مما يحمد ويستحب أمددت على أفعلت كقوله: {إنما نمدهم به من مال} [المؤمنون: 55] {وأمددناهم بفاكهة} [الطور: 22] {أتمدونن بمال} [النمل: 36] وما كان بخلافه فإنه يجيء على مددت قال: {ويمدهم في طغيانهم يعمهون} [البقرة: 15] فالوجه هاهنا قراءة العامة ووجه الضم الاستهزاء والتهكم نحو {فبشرهم بعذاب أليم} [آل عمران: 21] أما قوله: {ثم لا يقصرون} فالإقصار الكف عن الشيء. قال ابن عباس: أي لا يمسك الغاوي عن الضلال والمغوي عن الإضلال، ومعنى {ثم} تبعيد عدم الإقصار عن المدد فإنه يجب على العاقل إذا أقبل علي غي أن يمسك عنه سريعًا أن يتمادى فيه وينهمك ولهذا قيل: الرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل. ثم ذكر نوعًا واحدًا من إغوائهم فقال: {وإذا لم تأتهم} بآية وذلك أنهم كانوا يطلبون آيات معينة ومعجزات مخصوصة على سبيل التعنت كقولهم: {لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا} [الإسراء: 90] ثم إنه صلى الله عليه وسلم ما كان يأتيهم بها فعند ذلك {قالوا لولا اجتبيتها} ياقل اجتبى الشيء بمعنى جباه لنفسه أي جمعه، وجبى إليه فاجتباه أي أخذه، والمعنى هلا افتعلتها وجئت بها من عند نفسك لأنهم كانوا يقولون إن هذا إلا إفك مفترى وكانوا ينسبونه إلى السحر.
|